بقلم/ شريف رمزي
لكل صاحب مُعتَقَد ثوابت، لا يَقبل الطَعن فيها، لكن -منطقيًا وبِداءَةً- لكي نُسميها ثوابت، فلابد لها أن تَثبُت أمام الطَعن فيها، وتَذُود عن نفسها بدلائلٍ عِلمية وبراهين منطقية، فإن كان المُعتَقَد هَشًا (لا يَصمُد أمام الطَعن والتَشكيك)، فلا يَصح أن نعدّه من الثوابت، ولا حاجة لنا للذَود عنه، فالثوابت -في رأيي- تَذُود عن نفسها.
لكل صاحب مُعتَقَد ثوابت، لا يَقبل الطَعن فيها، لكن -منطقيًا وبِداءَةً- لكي نُسميها ثوابت، فلابد لها أن تَثبُت أمام الطَعن فيها، وتَذُود عن نفسها بدلائلٍ عِلمية وبراهين منطقية، فإن كان المُعتَقَد هَشًا (لا يَصمُد أمام الطَعن والتَشكيك)، فلا يَصح أن نعدّه من الثوابت، ولا حاجة لنا للذَود عنه، فالثوابت -في رأيي- تَذُود عن نفسها.
والغرض من كتابة هذه
السطور -عزيزي القارئ- ليس التشكيك في مسائل هى
عند السواد الأعظم من الشعب القبطي بمثابة الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه، بقدر ما هى دَعوة لإعمال
العقل، واستخدام المنطق، وترجيح كفة البحث العلمي، على الاعتقاد بأساطير وروايات
لا تخدم الإيمان القويم بقدر ما تُعطي ذريعة للمُشككين للتحايل على البُسطاء من
المؤمنين.
وهى أيضًا دَعوة
صريحة لمُراجعة النُّصوص التاريخية
التي تُستخدم في الكثير من الكُتب الكنسية، كالدفنار
والسنكسار وميامر القديسين، وبعض الكتابات الأخرى، والتي تحتاج بدون آدني شَك
لتحقيق وتدقيق، وهو أمر يُمكن إسناده لمُختصين، ومن غير المُستساغ أن تتأخر
الكنيسة عن اتخاذ ما يلزم من خطواتٍ حياله.
فتاريخنا الكنسي الذي
نتناقله جيلًا بعد جيل، ويَدرُسه
أبناؤنا في مناهج التربية الكنسية وفصول إعداد الخدام، ويتم تجسيده في وسائل
الميديا بصورٍ شتى، من الأهمية بحيث يستلزم دراسته وبحثه وإعادة كتابته بشكل غير
تقليدي، مع إخضاعه للتفسير والتحليل والنقد، فسلامة التعليم الكنسي لا تقتصر على
حفظ العقيدة والطَقس، بل تمتد لتشمل تاريخ
كنيستنا الذي يجب أن نُسلمه للأجيال اللاحقة خاليًا من المُبالغات، والأمر برمته
مرهون بإرادة الكنيسة ومجمعها المقدس.
ولقد
أرسى مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، قواعد النقد الشُجاع والتدقيق في
دراسة حوادث التاريخ الكنسي، حينما قال في إحدى مُحاضراته لطلبة معهد الدراسات القبطية عام 1998: ]ينبغي كطلاب
للتاريخ أن تَدرسوا تحقيق التاريخ، يعني كل واقعة تاريخية لابد أن تتحققوا منها
تمامًا، ولذلك أنصحكم، في غير ما كُتب بالكتاب المقدس لا تعتمدوا على مرجعٍ
واحدٍ بقدر الإمكان.. النصيحة الثانية، أنكم فيما تَدرسون التاريخ أن
تنقذوه من الفولكلور والخرافات أيًا كان مصدرها.. النصيحة الثالثة، أن
ترجعوا إلى المراجع الأصلية[.
وقد بذلت اللجنة المجمعية
للطقوس جُهدًا مشكورًا في مُراجعة كتاب السنكسار وإصداره مُنقَحًا في عام 2012،
لكن ماتزال الحاجة مُلحة لبَذل جُهد أكبر في مُراجعته وتنقيحه بواسطة مُختصين
لتفادي الخَلط الواضح بين الشخصيات والتحقق من التواريخ..
في سنكسار 2012 -مثلًا- أضافت
اللجنة المجمعية سيرة الشهيدة يوستينا والشهيد كبريانوس، وتُعيد لهما الكنيسة في
21 توت، لكن السيرة تَضَمَّنَت خَلطًا واضحًا بين كبريانوس الساحر الذي آمن بفضل
تلك القديسة، واستشهد معها في أنطاكيا عام 304م في عهد ديقلديانوس، وكبريانوس أسقف
قرطاجنة الشهير الذي استشهد عام 258م في عهد فالريان!، وسنكسار 1 برمهات يخلِط بين
شخصين باسم المكين جرجس ابن العميد، أحدهما مؤرخ من أصل سرياني عاش في القرن 13
والأخر راهب قبطي عاش في القرن 14، وسنكسار 3 برمهات يذكر نياحة البابا قسما عام
932م في عهد الفاطميين، ولم يكن للفاطميين وجود بمصر قبل فتحهم لها عام 969م،
وسنكسار 19 بؤونة يُشير إلى استشهاد مارجرجس المزاحم (عام 959م - في زمن البابا
فيلوثاؤس63 - في عهد الخليفة الفاطمي
المستنصر بالله) وتلك العناصر الثلاثة (التاريخ والبطريرك والخليفة) لا يمكن ربطها
معًا بالجُملة!.. هذه مجرد أمثلة.
ولعلك تتفق معي
-عزيزي القارئ- في أن إيماننا المسيحي لا يُمكن أن يرتكز على صحة رواية تاريخية من
عدمه، مهما يكن لتلك الرواية من أهمية، ولعلنا نتفق أيضًا في أن المؤرخين ليسوا
أنبياء، وليسوا معصومين من الخطأ، وأن ما دَوَّنوه في كتبهم ومخطوطاتهم من وقائعٍ
وأحداث، لا يصح أن نضعه في منزلة الأسفار المقدسة، فحتى هذه الأسفار المقدسة أُخضِعَت
للبحث والدراسة والفَرز والمُراجعة لاستبيان قانونيتها، ولم تُفلِح كل محاولات
التشكيك على مر العصور في النَيل من صِحتها، وأضحى كتابنا المقدس كصخرة ثابتة
تتحطم عليها كل سِهام المُشككين، وذلك كفيل بنزع هالة القدسية عن كتب التراث
والتاريخ لتخضع بدورها للفحص والمراجعة والتصحيح والتنقيح.
لمُطالعة المقال بالموقع الإلكتروني لجريدة البوابة هُنـــــــــــــــــــــــــــــــا