بقلم/ شريف رمزي
يُخطيء من يظن أن ما تشهده مناطق الصراع من حولنا في
سوريا أو العراق بعيداً بما يكفي عن موطيء أقدامنا، أو أننا في مأمنٍ من صراعٍ
مماثل لا قدر الله إذا لم نتحد ونتكاتف ونُخلص النوايا حيال وطننا، وحيال بعضنا
البعض.
فداعش الذي يعيث فساداً في أراضي تلك البلدان، يسفك دماء
الأبرياء وينحر رؤوساً أبت أن تحني هاماتها إلا للعلي القدير، ليس مجرد تنظيم يضم
بضعة آلاف من المنتمين له داخل حدود دولة أو دولتين وفقط.. داعش فكرة تستحوذ
وتُسيطر على عقول الكثيرين ممن يسيرون بيننا ويعملون معنا وأحيانا يُشاركوننا
طعامنا، لكن ربما لو واتتهم الفرصة لابتلعونا ونحن أحياء.
ذلك هو الواقع وإن أنكرناه، وتلك هى الحقيقة وإن
تجاهلناها، والخطر قائم وسيستمر طالما استمر التدني والانحدار لمستوى التعليم في
بلادنا، مع حشو عقول البسطاء بالأفكار المتطرفة وقلوبهم بمشاعر الحقد والكراهية لأي
شيء وكل شيء، فضلاً عن غياب العدالة واستمرار الممارسات التمييزية بين المواطنين
على أُسس دينية وطائفية.
أذكر حين كنت أقضى فترة خدمتي كمجند فى سلاح القوات
الجوية، أن كثيرين من رُفقاء السلاح الذين جاؤوا من أماكن بعيدة في صعيد مصر كانوا
يتجنبون تناول الطعام معي لكوني مسيحي، وكانت العادة أن يتم توزيع وجبات الإفطار
والغداء في ميس الأكل لكل اثنين أو ثلاثة معاً، فكنت أضطر آحياناً للتفريط في حقي
من الأكل الميري وتناول النواشف من الكانتين لتفادي الحرج المتكرر وعملاً بمبدأ
"هين قرشك ولا تهين نفسك"، لكن فى أحيان أخرى قليلة كنت أضطر لمواجهة هذا
السلوك بالاستنكار العلني والتصريح بأن الإسلام لم يأمر أتباعه بتجنب الأكل مع أهل
الكتاب، والأية القرأنية صريحة: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ" ]المائدة:5]..
لكن حتي استشهادي بأيات القرأن -وأنا المسيحي الذي يفخر ويعتز بدينه وتدينه- لم
يُفلح في تغيير مسلكهم!.
سردي لتلك القصة، ليس للنبش فى دفاتر الماضي، ولا بغرض
توجيه اللوم لأحد، بقدر ما هو تسليط للضوء على جانب مُظلم في مجتمعنا..
فالحالة التي عشتها لفترة مؤقتة وانتهت بإتمام خدمتي
العسكرية التي امتدت لعام واحد، لا تعدو كونها نموذج لحالة دائمة يعيشها آخرون فى
بعض قرى ونجوع مصر، كأنما هم غرباء في وطنهم، أو كالأسرى بين أهليهم وجيرانهم!.
قد يرى البعض في كلامي مبالغة، وقد يتهمني آخرون بتأجيج
الفتنة، ولا عجب في ذلك، فأولئك أنفسهم جزء من صميم المشكلة، يُساهمون بالقدر
الأكبر فى استمرارها، بإنكارهم للحقيقة والتغطية على كل جريمة بوصفها بالعمل
الفردي والحدث العابر!.
أولئك الفاشيين الجدد لم ينتبهوا لظاهرة خطف الأقباط في
نجع حمادي وغيرها، حيث لم يجد الضحايا هناك سبيلاً لتفادي القتل غير دفع الفدِية!
ولم ينتبهوا لتكرار تهجير الأقباط من قُراهم والاستيلاء
على أراضيهم ومنازلهم، حتى بعد أن امتدت الظاهرة إلى قلب العاصمة، حيث قضت جلسة
عرفية برعاية حكومية بتهجير عائلات مسيحية من حي المطرية ودفع مبالغ مالية وقطعة
أرض ورؤوس من الإبل والماشية، على خلفية مشاجرة بين أقباط ومسلمين سقط فيها قتيل
مسلم كان ماراً بالصدفة بطلق ناري لم يعرف مصدره.
عادتهم ولن يشتروها، يتهمون المجني عليه بالترويج للفتنة
إذا رفع صوته واشتكى، ولا يتوجهون باللوم للجاني مهما تمادى أو طغى!.
مجتمعاتنا لن تنصلح بتغليب النزعات القبلية والعودة لشريعة
الغاب وتغييب القانون، ولن تُصلحها الفزاعات ولا الشماعات التي يحاول البعض أن
يجعل منها أساساً لكل المخاطر التي تهدد أمن وسلامة بلادنا، وحتى الحلول الأمنية
وحدها لن تجدي نفعاً..
مجتمعاتنا تنصلح بالبحث في الأسباب ومحاولة إيجاد حلول
جذرية لدحر الإرهاب فى المهد، والقضاء على فكر داعش قبل أن يتجسم ويتمدد ويتحول
إلى تنظيمات وخلايا سرطانية تستهدف الفتك بجسد الأمة.
ثقافة العنف ونهج الغلو والتطرف التي يقوم عليها فكر
داعش موجودة ومُتغلغلة ومُتأصلة في نفوس الكثيرين ممن يحملون الجنسية المصرية،
وربما بصورة تتضاءل إلى جوارها بشاعة داعش سوريا والعراق..
وكنموذج لبذور ذلك الفكر، نقرأ معاً ما جاء في كتاب
"منهاج المسلم" لمؤلفه أبو بكر جابر الجزائري، والصادر عن دار السلام للطباعة
والنشر والتوزيع بالقاهرة..
هذا الكتاب عبارة عن مجلد ضخم يقع في أكثر من أربعمائة
صفحة ويحوي "عقائد وأداب وأخلاق وعبادات ومعاملات الدين الإسلامي -كما ذكر
مؤلفه- ونظراً لأن المجال هنا لا يتسع فإن ما أسوقه إليك -عزيزي القاريء- هو بعض
نقاط ذكرها المؤلف أوردها هنا على سبيل المثال وليس الحصر.
في صفحة 89 وتحت عنوان "الأدب مع الكافر"،
كَتب ما يلي: ]]يعتقد المسلم أن سائر الملل والأديان باطلة وأن أصحابها
كفار إلا الدين الإسلامي فأنه الدين الحق، وإلا أصحابه فإنهم المؤمنون المسلمون
وذلك لقوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) ]آل عمران:19]، وقوله
تعالى (ومَن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ]آل عمران :85[،
فبهذه الأخبار عَلِمَ المسلم أن سائر الملل والأديان التي قبل الإسلام قد نسخت بالإسلام
وأن الإسلام هو دين البشرية العام، فلم يقبل الله من أحد ديناً غيره ولا يرضى بشرع
سواه، ومن هنا كان المسلم يرى أن كل مَن لم يدن لله تعالى بالإسلام فهو كافر،
ويلتزم حياله بالأداب التالية:
- عدم إقراره على كفره، وعدم الرضا به إذ الرضا بالكفر كفر.
- بغضه ببغض الله تعالى له، إن الحب في الله والبغض في الله، وما دام الله تعالى قد أبغضه لكفره فالمسلم يبغض الكافر ببغض الله تعالى له.
- عدم موالاته ومودته لقوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) ]آل عمران : 28[.
- عدم نكاح الكتابي للمسلمة مع جواز نكاح المسلم للكتابية
- لا يبدأ بالسلام وإن سلم عليه رد عليه بقوله "وعليكم" لقول الرسول (ص): "إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولو له وعليكم" ]رواه الترمذي ورواه ابن ماجة[
- يضطره عند المرور به في الطريق إلى أضيقه، لقول الرسول (ص): "لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه ولو إلى الحائط". ]رواه مسلم في كتاب السلام ورواه أبو داود في كتاب الأدب[.
وفي حديثه عن "الجهاد" في صفحة 276، كتب: يمنع
أهل الذمة من أمور منها:
- بناء الكنائس أو البيّع أو تجديد ما انهدم منها، لقوله (ص): "لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما انهدم منها". ]أورده صاحب المغنىَ ونيل الأوطار[.
- -تعلية منازلهم على منازل المسلمين، لقوله (ص): "الإسلام يعلو ولا يُعلىَ عليه". ]رواه البيهقي في السنن الكبرى[.
- الأكل والشرب في نهار رمضان خشية أن يفتنوا المسلمين[[.
تلك نماذج من أفكار وتعاليم تزخر بها كتب التكفيريين
والمتشددين المنتشرة فى مصر في المكتبات وعلى الأرصفة، ربما تكفي لإعطاء صورة عما
تجيش به صدور بعض البسطاء وأنصاف المتعلمين الذين نشأوا وتتلمذوا على أيدي أبناء
داعش وآبائهم، فأضحوا كقنابل موقوتة لا يعلم متى أو كيف تنفجر إلا الله.