بقلم/ شريف رمزي
على مدار سنوات عديدة، كانت "لائحة انتخاب البابا" ومسألة تعديل بنودها
مثار جَدل عند البعض، وكانوا من الجرأة بحيث لم يستشعروا أي حساسية ولا
وجدوا غضاضة في الحديث عن من يخلف البابا شنودة في حياته وعلى مَسمعٍ منه،
وكان لافتاً جداً مُقاومتهم لفكرة "القرعة الهيكلية" على وجه الخصوص!
قرأت مؤخراً تصريحات لمؤسس ما يُعرف بالتيار العلماني "كمال زاخر" -وهو رجل محترم- بشأن رفضه النص على نظام "القرعة الهيكلية" فى اللائحة الجديدة لاختيار البابا التى أقرها المجمع المقدس للكنيسة القبطية وصَدّق عليها الرئيس، وهو موقف شاركه فيه دائماً الكاتب الصحفي المستنير "سليمان شفيق" رغم اعتزازه بكاثوليكيته، وكلاهما يُردد في كل مُناسبة أن (القرعة الهيكلية بدعة يهودية، وأن 5 بطاركة فقط من بين الـ 118 بطريركاً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية اُختيروا بواسطتها)! - {المصري اليوم 24 مارس 2015}
وفي قفزة دراماتيكية لا أفهم كيف تتفق مع كونها "بدعة يهودية"، يؤكد المُعترضون أن القرعة الهيكلية نظام مُستحدث نُص عليها في لائحة عام 1957 بضغوط من الرئيس جمال عبد الناصر لأسباب سياسية، ولضمان نجاح مُرشح بعينه (البابا كيرلس السادس)!
وهى ادعاءات فضلاً عن أنها تفتقر إلى الدقة والموضوعية، فهي تعكس وبلا شك جهلاً بالتاريخ الكنسي وطعناً في الحقائق الكتابية..
فاستخدام اليهود للقرعة في العهد القديم لم يكن ابتداعاً ولا نهجاً بشرياً، بل أمر إلهي، وهذا واضح في سفر العدد (33: 54) عند الحديث عن تقسيم الأرض بين عشائر العبرانيين بالقرعة، ونفس المعني يتكرر في سفر حزقيال (22:47)، وكون القرعة عملاً إلهياً يظهر بوضوح في قول الوحي الإلهي على لسان سليمان الحكيم: "القرعة تلقى في الحضن، ومن الرب كل حكمها" – سفر الأمثال (16: 33).
وأول استخدام للقرعة في العهد الجديد ورد فى سفر أعمال الرسل، وبواسطة القرعة أُختير متياس رسولاً ومُكملاً للحواريين الإثنى عشر.
والزَعم بكون القرعة الهيكلية "بدعة يهودية"، ومحاولة التشكيك في الكيفية التي اختار بها الرسل "متياس"، فيه تجاوز واضح لعصمة الكتاب المقدس، ولحقيقة أن الأباء الرسل كانوا "مسوقين من الروح القدس"، وللسلطان الممنوح لهم من السيد المسيح الذي نفخ في تلاميذه قائلاً "اقبلوا الروح القدس".
دليل أخر على استخدام الأباء الرسل للقرعة بعد اختيار متياس، وبعد حلول الروح القدس في يوم الخمسين، ما قاله بطرس لسيمون الساحر عندما آراد أن يقتني مواهب الروح القدس بالفضة: "ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الامر لأن قلبك ليس مستقيماً أمام الله" – سفر الأعمال (8 :21)
كما أن التاريخ الكنسي يُسجل العمل بنظام القرعة الهيكلية عند اختيار البطريرك فى أحيان كثيرة منذ مطلع القرن الثالث عشر، وقد جلس على الكرسي البابوي أحد عشر بطريركاً نتيجة لاختيارهم بواسطة القرعة الهيكلية، كما وَرد ذكرها فى الباب الرابع من قوانين ابن العسال المعروفة بـ "المجموع الصفوى"، وأيضاً فى كتاب "مصباح الظلمة فى ايضاح الخدمة" لابن كِبر.
والمدقق فى تاريخ الكنيسة يجد أن البطريرك فى الغالب كان يأتي بالاختيار المباشر من جانب البابا لخليفته أو من أراخنة الشعب أو من كبار الأساقفة، وعليه فالعمل بنظام القرعة كمرحلة تعقب الانتخاب أو الاختيار لهو تطور وارتقاء بعملية تنصيب البطريرك.
فالقرعة تنأى بنفسها عن الأهواء والضغوط والتدخلات الشخصية والأمنية وغيرها، وتنفي عن وظيفة البابا صفة العمل الإدارى لتنضوى تحت صفة الخادم والراعي الذى يأتي باختيار سماوي.
والنظام الذى تأخذ به الكنيسة القبطية يتيح لقطاع من العلمانيين أن يتحمل جزءاً من مسئولية الاختيار إلى جانب الإكليروس، بينما يقتصر اختيار البابا في الكنيسة الكاثوليكية مثلاً على مجمع الكرادلة.
ووجود القرعة كمرحلة أخيرة يُعطي انطباعاً بأن للاختيار الإلهي الكلمة العليا، وهذه المسألة تتعلق بجوانب روحية وإيمانية لدى جموع الأقباط.
أخيراً ما يردده البعض بأن القرعة الهيكلية نظام مُستحدث، وأنها من اختراع الولاه والحكام، وأن النص عليها في لائحة 57 كان لأسباب سياسية، أمر يُجافى الواقع وأيضاً المنطق، لأن مصلحة الحكام قديماً وحديثاً فى عدم وجود القرعة ليسهل التدخل فى عملية اختيار البابا والضغط فى تجاه شخص بعينه.
فى رأيي المتواضع، أن وضع لائحة انتخاب لمنصب بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يُعد حقاً أصيلاً لأعضاء المجمع المقدس من المطارنة والأساقفة دون غيرهم، فهم الأقدر والأصلح -فى نظري- للتصدى لهذه المهمة الجليلة.
وفى رأيي أيضاً الذى أعتقد أن كثيرون يُشاركونني إياه، أن وظيفة البابا تجعله رئيساً لعموم الكهنة والأساقفة والرهبان، وهى وظيفة روحية ودينية وليست عملاً مدنياً، لذلك فالمُنادون بإلغاء القرعة الهيكلية من بين العلمانيين يتدخلون بشكل سلبي فى شأن ليس من شئونهم، وبالمثل نقول عن تدخلات رجال الدين فى أمور الحُكم والسياسة، والأصلح أن يهتم كل فريق بشئونه، وأن يلتفت إلى العمل الموكل إليه والذي سُيحاسب عنه سواء فى الدنيا أو فى الآخرة.
قرأت مؤخراً تصريحات لمؤسس ما يُعرف بالتيار العلماني "كمال زاخر" -وهو رجل محترم- بشأن رفضه النص على نظام "القرعة الهيكلية" فى اللائحة الجديدة لاختيار البابا التى أقرها المجمع المقدس للكنيسة القبطية وصَدّق عليها الرئيس، وهو موقف شاركه فيه دائماً الكاتب الصحفي المستنير "سليمان شفيق" رغم اعتزازه بكاثوليكيته، وكلاهما يُردد في كل مُناسبة أن (القرعة الهيكلية بدعة يهودية، وأن 5 بطاركة فقط من بين الـ 118 بطريركاً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية اُختيروا بواسطتها)! - {المصري اليوم 24 مارس 2015}
وفي قفزة دراماتيكية لا أفهم كيف تتفق مع كونها "بدعة يهودية"، يؤكد المُعترضون أن القرعة الهيكلية نظام مُستحدث نُص عليها في لائحة عام 1957 بضغوط من الرئيس جمال عبد الناصر لأسباب سياسية، ولضمان نجاح مُرشح بعينه (البابا كيرلس السادس)!
وهى ادعاءات فضلاً عن أنها تفتقر إلى الدقة والموضوعية، فهي تعكس وبلا شك جهلاً بالتاريخ الكنسي وطعناً في الحقائق الكتابية..
فاستخدام اليهود للقرعة في العهد القديم لم يكن ابتداعاً ولا نهجاً بشرياً، بل أمر إلهي، وهذا واضح في سفر العدد (33: 54) عند الحديث عن تقسيم الأرض بين عشائر العبرانيين بالقرعة، ونفس المعني يتكرر في سفر حزقيال (22:47)، وكون القرعة عملاً إلهياً يظهر بوضوح في قول الوحي الإلهي على لسان سليمان الحكيم: "القرعة تلقى في الحضن، ومن الرب كل حكمها" – سفر الأمثال (16: 33).
وأول استخدام للقرعة في العهد الجديد ورد فى سفر أعمال الرسل، وبواسطة القرعة أُختير متياس رسولاً ومُكملاً للحواريين الإثنى عشر.
والزَعم بكون القرعة الهيكلية "بدعة يهودية"، ومحاولة التشكيك في الكيفية التي اختار بها الرسل "متياس"، فيه تجاوز واضح لعصمة الكتاب المقدس، ولحقيقة أن الأباء الرسل كانوا "مسوقين من الروح القدس"، وللسلطان الممنوح لهم من السيد المسيح الذي نفخ في تلاميذه قائلاً "اقبلوا الروح القدس".
دليل أخر على استخدام الأباء الرسل للقرعة بعد اختيار متياس، وبعد حلول الروح القدس في يوم الخمسين، ما قاله بطرس لسيمون الساحر عندما آراد أن يقتني مواهب الروح القدس بالفضة: "ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الامر لأن قلبك ليس مستقيماً أمام الله" – سفر الأعمال (8 :21)
كما أن التاريخ الكنسي يُسجل العمل بنظام القرعة الهيكلية عند اختيار البطريرك فى أحيان كثيرة منذ مطلع القرن الثالث عشر، وقد جلس على الكرسي البابوي أحد عشر بطريركاً نتيجة لاختيارهم بواسطة القرعة الهيكلية، كما وَرد ذكرها فى الباب الرابع من قوانين ابن العسال المعروفة بـ "المجموع الصفوى"، وأيضاً فى كتاب "مصباح الظلمة فى ايضاح الخدمة" لابن كِبر.
والمدقق فى تاريخ الكنيسة يجد أن البطريرك فى الغالب كان يأتي بالاختيار المباشر من جانب البابا لخليفته أو من أراخنة الشعب أو من كبار الأساقفة، وعليه فالعمل بنظام القرعة كمرحلة تعقب الانتخاب أو الاختيار لهو تطور وارتقاء بعملية تنصيب البطريرك.
فالقرعة تنأى بنفسها عن الأهواء والضغوط والتدخلات الشخصية والأمنية وغيرها، وتنفي عن وظيفة البابا صفة العمل الإدارى لتنضوى تحت صفة الخادم والراعي الذى يأتي باختيار سماوي.
والنظام الذى تأخذ به الكنيسة القبطية يتيح لقطاع من العلمانيين أن يتحمل جزءاً من مسئولية الاختيار إلى جانب الإكليروس، بينما يقتصر اختيار البابا في الكنيسة الكاثوليكية مثلاً على مجمع الكرادلة.
ووجود القرعة كمرحلة أخيرة يُعطي انطباعاً بأن للاختيار الإلهي الكلمة العليا، وهذه المسألة تتعلق بجوانب روحية وإيمانية لدى جموع الأقباط.
أخيراً ما يردده البعض بأن القرعة الهيكلية نظام مُستحدث، وأنها من اختراع الولاه والحكام، وأن النص عليها في لائحة 57 كان لأسباب سياسية، أمر يُجافى الواقع وأيضاً المنطق، لأن مصلحة الحكام قديماً وحديثاً فى عدم وجود القرعة ليسهل التدخل فى عملية اختيار البابا والضغط فى تجاه شخص بعينه.
فى رأيي المتواضع، أن وضع لائحة انتخاب لمنصب بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يُعد حقاً أصيلاً لأعضاء المجمع المقدس من المطارنة والأساقفة دون غيرهم، فهم الأقدر والأصلح -فى نظري- للتصدى لهذه المهمة الجليلة.
وفى رأيي أيضاً الذى أعتقد أن كثيرون يُشاركونني إياه، أن وظيفة البابا تجعله رئيساً لعموم الكهنة والأساقفة والرهبان، وهى وظيفة روحية ودينية وليست عملاً مدنياً، لذلك فالمُنادون بإلغاء القرعة الهيكلية من بين العلمانيين يتدخلون بشكل سلبي فى شأن ليس من شئونهم، وبالمثل نقول عن تدخلات رجال الدين فى أمور الحُكم والسياسة، والأصلح أن يهتم كل فريق بشئونه، وأن يلتفت إلى العمل الموكل إليه والذي سُيحاسب عنه سواء فى الدنيا أو فى الآخرة.