بقلم/ شريف رمزي
نصيحة من مُختبر، إياك أن تُفكر في الذهاب إلى قرية العور أو دَفَش أو
السوبي في إيبارشية سمالوط، ولا إلى سمسون أو الجبالي أو منقريوس أو منبال
في إيبارشية مطاي، حيث منازل أهالي شهداء الوطن في ليبيا.
لأنك إذا ذهبت إليهم ستُصدَم بواقع حي لا يتناسب مع الحياة المُصطنعة التي تعيشها في العاصمة بكل ما فيها من زَيف وادعاء.
لا تتحمس لتلك الخطوة.
لأنك
إن ذهبت إلى هناك، وفكرت في التجول بين تلك القرى، ستتأسف في داخلك حَتما
وينتابك الأسى للحال المُزرية التي تقبع فيها بفقرها المُدقع وبؤس أهلها.
لا
تذهب إلى هناك لئلا يُدهشَك صبر الناس اللامُتناهي، وقناعتهم بما قسمه
الله لهم، فتتضاءل نفسك أمامك وتكتشف كم أنت هَش وضعيف، ولا قوة لَك على
الاحتمال.
لا تذهب، لأنك لن تجد في كل هذه القرى أيادي ناعمة، ولن
تجد فيها طُرقات مُمهدة، ولا مواصلات فاخرة ولا مساكن فَخمة ولا أثاثات
مُذهَبة.
ستجد فقط أناس بُسطاء، لا يعرفون شيئا عن رَغَد العَيش..
بُسطاء في مأكلهم وفي مَلبسهم وفي لهجتهم وفي ملامحهم، وفي طموحاتهم
وتطلُعاتهم.
وستسأل نفسك ألف سؤالٍ وسؤال، عن سر أولئك الناس وعن
الإيمان المُتأصل في نفوسهم والذي لا يُمكن أن يُعبَر عنه بكلامٍ يُكتب أو
يُقال.
لا تُفكر أن تذهب إليهم مُعزيا، لأنك ستكتشف من الوهلةِ
الأولى أن قلوبهم مُفعَمة بالتعزيات، وأن ذبح أبنائهم لم يَنَل من إيمانهم
وثباتهم ورباطة جأشهم، بل زادهم إصرارا للسير على الدرب نفسه حاملين
صُلبانهم، رافعين هاماتهم، مؤثرين الموت بعزةٍ وفَخار على الحياة في جُبنٍ
وإنكار.
ولا تذهب إلى كنائسهم، لأنك لن تجد إلا جدرانا بالية أكل الدهر عليها وشرب..
لن
تجد أسوارا عاتية ولا قبابا زاهية ولا مناراتٍ عالية، وسينتابك الذهول كيف
تفوقت معابد أولئك الناس وصوامعهم على أعظم الأكاديميات، وصارت كأمٍ ولود
أسمع أبناؤها العالم صوتهم وإلى أقاصي المسكونة بلغ منطقهم.
فإن
ذهبت، فاجتهد ألا تُصادف واحدا من كهنتهم، وإن صادفته فاضطره ولو إلى
الحائط ولا تنظر إليه، لئلا يُدهشَك أن تجد قرويا يرتدي جلبابا أسود من
نسيجٍ خَشِن، يُغطي رأسه بجِبة من الصوف، يجول بين أزقة تلك القرى وحواريها
الضيقة ليصنع الخير ويَبث الطمأنينة ويُكرز بكلمة الحياة.
ولا
تذهب إلى دار الأسقفية في مطاي أو في سمالوط.. لا تُقابل الأنبا جورجيوس أو
الأنبا بفنتيوس، لا تسمع منهم ولا تُنصِت لهم، لأن الواحد منهما يتحدث
بحكمةٍ وفلسفةٍ كأنها من فوق لا من الأرض، ليس كمثل ما تُشاهده في أبواقٍ
إعلامية أو يصِلك عَبر مُكبرات الصوت، من حضٍ على الكراهية ودعوات الموت.
نصيحة مُخلصة، لا تذهب إلى هناك، لأنك لن تعود كما ذهبت.
نُشر بموقع صدى البلد، بتاريخ 27 / 2 / 2015
هنــــــا
هنــــــا