يولد المسيحي المصري وأول ما يسمعه "غالباً" هو صوت الأذان
مُدوياً في مُحيط منزله، فلا يكاد شارع من شوارع المحروسة يخلو من مسجد أو زاوية
لإقامة شعائر الدين الإسلامي خمس مرات كل يوم، وبين المسجد والآخر عدد لا بأس به
من مُكبرات الصوت (الميكروفونات) تُثبت في شُرفات المنازل حتى التي يملكها أو
يقطنها مسيحيين، ومنها تُبث خُطباً دينية تُكفر علناً غير المسلمين!
ولم نسمع أن ذلك ذلك كله قد شكَّل أي فارق لدى المسيحيين، فلا إيمانهم
تأثر ولا ثقتهم في معتقداتهم اهتزت، ولا ارتفعت أصواتهم بالشكوى من ازدراء دينهم
جهاراً نهاراً تحت سمع أجهزة الدولة وبصرها.
وفي مدارسنا منذ الصِغر نتعلم ونحفظ قسراً نصوص قرأنية وأحاديث نبوية،
ونَدرُس قصصاً عن بطولات ومآثر التاريخ الإسلامي، في مقابل تعتيم تام وتجاهل
مُتعمد لكل ما يتعلق بالحقبة القبطية وتاريخ الأقباط ومآثرهم وفضلهم حتى على
الحضارة الإسلامية نفسها، ولا ينحرف المسيحي عن إيمانه متُأثراً بهذا الانتقاء
الفَج، والتمييز المُمنهج!
وتقتطع الدولة من ميزانيتها المليارات كل سنة لصالح الأزهر جامعاً
وجامعة، وتدفع الرواتب لآلاف الدُعاة والأساتذة، وتخصص مِنحاً للدارسين من كافة
البلدان الإسلامية، وتُنشيء المساجد العملاقة بما يصُب في مصلحة الدين الإسلامي،
فيما تتعنت في إصدار ترخيص لبناء كنيسة جديدة وتضع القيود والعراقيل أمام ترميم
الكنائس القديمة، وبرغم ذلك لم تنهار المسيحية في مصر ولا انقرض جنس المسيحيين.
وفي أجواء مُلبَدة بالأفكار المسمومة، وبين مُنتمين لجماعات عَشَش
التطرف في أذهانهم لعقود، وفي ظل تمييز واضح وفاضح من جانب مؤسسات الدولة، يعيش
المسيحيون جنباً إلى جنب مع إخوانهم المسلمين، يُبادلونهم الوِد والإخاء والمحبة،
ثم وبكل بساطة تُلقى الشرطة القبض على ثلاثة شُبان في عمر الزهور بتهمة
"التبشير"، فقط لأنهم قدموا البلح للمارة في أحد شوارع الإسكندرية ساعة
الإفطار مُقترناً بكلمة محبة!
فهل يمكن أن تطغى محبة أولئك الشُبان الثلاثة وبضع تمرات في أياديهم،
على تأثير الدولة وأجهزتها الأمنية وأدواتها الإعلامية ومؤسساتها التعليمية
ومساجدها ودُعاتها، وعلى أنشطة الجماعات الدينية ومنابرها وأفكارها وكُتبها
وترسانة أسلحتها!