دماء شهداء الإيمان من الأقباط والإثيوبيين تروي شواطيء ليبيا وتُقدس بحرها |
بقلم/ شريف رمزى
لأولئك الأبطال الذين أعلنوا إيمانهم بثبات فى وجه مُلثمون مُضججون بالسلاح..
لأولئك البواسل الذين بالرغم من بساطتهم، ساروا على درب أجدادهم، ولم يخشوا الموت أو التنكيل..
لأولئك الشهداء القديسين الذين طهروا بدمائهم النقية أرضاَ غريبة لطالما دُنست بفعل القتلة والمُجرمين..
إليهم أُهدى هذه السطور..
أنا
مسيحى.. الجواب الطبيعى عندما يسألنا أحدهم: ما هى ديانتك؟ - بافتراض أنه
ليس بين المسيحيين من يخشى أو يتردد فى الإفصاح عن إنتماؤه للمسيحية -
مسيحى.. كلمة واحدة تشغل خانة الديانة وبطاقة تحقيق الشخصية، لكن دلالاتها
كثيرة جداً.
أنا مسيحى.. لأننى أعترف بالمسيح بالمسيح رب ومخلص.
أنا مسيحى.. لأن المسيحية هى عقيدتى ومنهجى ورسالتى وسبيلي فى الحياة.
أنا مسيحى.. لأننى أحمل سمات المسيح الحى والعامل فيَّ بروحه القدوس.
أنا مسيحى.. لأن الكنيسة أمى ولدتنى فى المعمودية، واعطتنى مسحة مقدسة (الميرون).
أنا مسيحى.. لأننى جزء من كيان واحد لا ينفصم، يستمد وحدته وثباته من الذبيحة المقدسة (جسد المسيح ودمه).
أنا مسيحى.. لأن لا شيء يستطيع أن يفصلنى عن محبة المسيح، لا شدة ولا ضيق ولا إضطهاد ولا جوع ولا عُرى ولا خطر ولا سيف.
أنا
مسيحى.. لأنه لا توجد قوة فى السماء أو على الأرض تستطيع ان تزعزع محبتى
للآخر، حتى وإن تفنن هو فى إيذائى وإهانتى وسلب حقوقى وتقييد حريتى.
لذلك كله، وأكثر بكثير.. أنا مسيحى.. فماذا عنك؟
أنا مسيحي...
ربما
كان من بين المسيحيين اليوم من لم يدرك بعد قيمة كونه مسيحياً، لأنه ولد
مسيحياً فلم يختبر الألم الذى إختبره المسيحيون الأوائل، والتحديات التى
واجهوها من أجل توصيل رسالة الخلاص لكل نفس.
لا
شك ان الذين قدموا ذواتهم فدية من أجل الشهادة للمسيح، وضحوا بكل غالى
ونفيس، لم يكن بينهم مسيحياً "بالأسم" ولا "مُدعىِّ" ولا من هو "متدين
بالشكل" دون الجوهر.. ذلك هو الفرق بين "المسيحى الحقيقى" و"المسيحى
بالأسم" او "المسيحى بالتبعية" -الذى ولد لأب وأم مسيحيين- وذلك أيضاً ما
يشكل فرقاً جوهرياً بين عبارة "أنا مسيحى" التى تعبرعن هوية حقيقية للشخص
او تلك التى تعبر عن مجرد إنتماء شكلى لعقيدة نشأ عليها. الأولى تكون
"هُتافاً" صرخة صادرة من داخل القلب، من الأعماق, بينما الثانية تكون من
الخارج, من الشفتين وفقط, الأولى تكون بشجاعة لا تهاب الموت، والثانية تخرج
من الفم على إستحياء, الأولى يصاحبها إستعداد قوى للتضحية وبذل الذات،
والثانية يصاحبها خوف وخجل, والخوف - فى الغالب- يكون راجعاً للإجراءات
الظالمة التى تعترض المسيحيين، لا لشئ إلا لكونهم مسيحيين.
فى
العصر الروماني كان مجرد إعتناق شخص للمسيحية يعتبر جريمة من أبشع
الجرائم تسوجب أشد انواع الموت قسوة, كان اسم (مسيحى) وحده يحمل فى طياته
-فى نظر الدولة ورعاياها- أبشع الجرائم، وهو كافٍ أن ينزل بمن يعترف به
شبهات ممقوتة خاصة بالفجور وتدنيس المقدسات والعصيان، والتهمة ضد
المسيحيين لا تُعلن رسمياً أبداً إنها مجرد شكوك غير ثابتة, يعبر عنها
بصورة عنيفة الدهماء المتعصبون المحتشدون فى قاعة المحاكمة, والمتهمون
الذين يتمسكون بالإيمان المسيحى لم يكن لديهم سوى رد واحد يجيبون به ظل
يُسمع قُرابة ثلاثة قرون فى ساحات القضاء الرومانى، أما هذا الرد فهو (أنا
مسيحى)، وأما صيحة الشعب الهائج التى كانت تعقب هذا الإعتراف فهى الموت
للمسيحى.
كان
المتهم وهو فى غاية الهدوء، وبوجه تحيطه هالة نورانية - كما شوهد وجه
إستفانوس يضئ "كوجه ملاك" يجيب بإجابة واحدة على سائليه "أنا مسيحي". (الإستشهاد فى المسيحية صـ 137- نيافة المتنيح الأنبا يوأنس أسقف الغربية)
سحابة شهود..
* فى أقليم كيليكية سأل الوالى احد المعترفين ويُدعى تراكوس - ما اسمك؟
تراكوس: أنا مسيحى.
كُف عن هذه اللغة النجسة واذكر أسمك.
تراكوس: أنا مسيحى.
(الوالى للجندى) أضربه على فمه وقُل له (لا تقدم إجابات ملتوية).
تراكوس: أنا أذكر لك الأسم الذى احمله فى نفسى، لكن إن سألت عن اسمى المتداول بين الناس، فإن والديََّ أسميانى تراكوس.
*
الشماس "سانكتوس" من فينا الذى أستشهد فى زمان مرقس أوريليوس ظل ثابتاً
أمام جميع من وقف أمامهم، وكان لا يجيب على اى سؤال وجه إليه من أى نوع إلا
بهذه الكلمات يقولها باللاتينية (أنا مسيحى) ولا يزيد عليها شيئاً.
* وسأل القاضى شهيداً يُدعى "مكسيموس" ما هى حالتك؟
أجاب: أنا إنسان حُر ولكنى عبد للمسيح.
* وسال القاضى عذراء الإسكندرية المشهورة "ثيؤدورة": ما هى مكانتك؟ فقالت: أنا مسيحية .
القاضى: سيدة حرة أم آمة. فقالت: لقد قلت لك أنا مسيحية، والمسيح جاء وحررنى، وبحسب مقاييس العالم ولدت حرة.
*
وقد أورد يوسابيوس فى تاريخه قصة "مارينوس" الضابط الذى أستشهد فى
قيصرية, إذ لما دُعىَ للترقية إلى رتبة قائد مئة، تقدم زميل له وطعن فى
ترقيته لأنه مسيحى، ولما سُئل مارينوس عن ذلك أعترف بكل شجاعة، فأمهله
القاضى ثلاث ساعات للتفكير, خرج من ساحة المحكمة وأخذه أسقف المدينة إلى
الكنيسة وخيره بين السيف والإنجيل، وبدون أى تردد مدَّ مارينوس يده وأخد
الإنجيل، فقال له الأسقف: أثبت إذن، وأمام القاضى أظهر غيرة شديدة نحو
الإيمان فكان نصيبه الموت.
هذه
الأمثلة وغيرها الكثير فى كل العصور- وحتى فى عصرنا الحاضر- تُذكرنا
بإننا نحمل هوية معينة، وعلينا جميعاً تقع مسئولية الحفاظ على هذه الهوية
التى حاول عدو الخير وجنوده محوها بشتى الطرق ولم يفلحوا, هويتنا هذه لا
يضاهيها شئ من أمور هذا العالم لأنها وحدها جواز مرورنا من الأرض إلى
السماء, لا منصب ولا وظيفة ولا كل أموال العالم تستحق ان نلتفت إليها
عندما نُخير بينها وبين هويتنا كمسيحيين. كمسيحى أقبل التضحية بكل شئ فى
سبيل الإحتفاظ بهويتى. قد أخسر وظيفتى، لكنى لا أستطيع ان أخسر هويتى أو
أقايض عليها. قد أقبل التهديد فى مستقبلى ودراستى، وأن يُسلب مالى ويُقطع
رزقى، وأن أُعذب وأُهان فى جسدى، وقد أقبل الإضطهاد ونبذ الآخر. قد أقبل
بذلك كله، لكن تبقى هويتى كمسيحى خطاً أحمر لا أقبل أن يقترب منه أحد أو
يمسه مخلوق.
وتبقى هذه الكلمة وحدها لتُعبر عن هويتى وانتمائى وعقيدتى وإيمانى إلى النفس الأخير..
أنا مسيحي... فماذا عنك؟