بقلم/ شريف رمزي
نعم.. سأحاكمك أيها القدير، ولن أكتفي بسؤالك أو بالوقوف في حضرتك لأبدي اندهاشي وتعجُبي.
كيف وأنت الساكن في علوٍ لا يُدنى منه، الذي تخشاه الخلائق كلها ولا تكُف
عن التسبيح بحمده، تضعني وأنا التراب الذي بلا قيمة على رأس أولوياتك،
وتتعهدني بالمراحم من بطن أمي إلى اليوم، مُحصياً أنفاسي وضابطاً لنبضات
قلبي أيها الضابط الكل!
كيف حفظتني وسط الأخطار حين
غفلَت أعين أمي وأبي عن أن تراني، فخرجت زائغاً مراتٍ ومرات لألهو بجوار
السكةِ الحديد، فلم تدهسني عجلات القطار!، ولم أسقط بجملتي حين عثرت قدمي
وسقط حِذائي في التُرعة بجوارِ بلدة جدتي!
وكيف في
أجواءٍ عاصفة لا تُنبت إلا أشواكاً قاسية، ألقيت فيَّ بذور الموهبة لأنسِج
من آلامي وتجاربي فصولاً من الشعر والآدب عوضاً عن أن تنسِج بداخلي تلك
التجارب عُقداً مُتشابكة!
وكيف أقمتني مُحامياً، أنا
الذي اجتزت بشِق الأنفس مراحل تعليم لم تكن في حقيقتها إلا درجاتٍ للهبوط
في سُلمٍ للفشل، وابن الجيران الذي عيرني في الطفولة بزي مدرسته الخاصة
واحتقر مريلتي، يقبع في ذيل أبيه للأن نادباً حظه تحرقه نيران غيرته!
مهدت ليَّ الصِعاب وقومت ليَّ طرقاً مِعوَجة، فصرت زوجاً وآباً، ضارباً
بُعرض الحائط كل النبؤات الزائفة عن ابن الفقراء الذي ليس له ظهراً يسنده!
كيف يا رب، وبأي عدلٍ، تُعطيني الأفضلية على كل من رفضوني وعيروني
واحتقروني، وكنت أنا نفسي مُصدقاً لهم، وراضياً بكوني على ظهر الدنيا
مفعولاً به لا فاعلاً!
في الصحراء حين كُنت مُجنداً، من
كَم ضيقةً أخرجتني؟!.. من سُم العقارب، ومن لدغ الثعابين، ومن غرفة الحبس
المُظلمة، ومن ابن الحرام الذي اختلس من الذخيرة قبل أن تدخل في عُهدتي!
وفي أحلك اللحظات وأكثرها سواداً، تلك التي تعرفها، حين جُربت في أغلي من
في حياتي، فهانت الدنيا كلها وهانت معها حياتي، وفي وسط الآلم والحزن،
وبرغم الخسارة الفادحة والتنازلات الموجعة، وثقت بأني سأخرج من عُمق
الهزيمة منتصراً، وضعت ثقتي فيك فما خذلتني، وأبرقت بشعاعٍ من نورٍ بدَد
ظُلمتي، وها أنا أحصد البركات والأخرون في عُزلةٍ مع شرِهم!
فبأي منطقٍ بشري يُمكن لذهني أن يستوعبك، وبأي حكمةٍ أرضية يمكنني فهم أحكامك؟!
أَبَرُّ أَنْتَ يَا رَبُّ مِنْ أَنْ أُخَاصِمَكَ (آر 12 : 1)