بقلم/ شريف رمزي
لا شك أن تكرار الاعتداءات الطائفية دونما رَدع للجُناه
والمُحرضين، يُمثل ضوءاً أخضر للاستمرار في ارتكاب المزيد من هذه الاعتداءات.
يعتقد البعض أنه بعودة الأقباط المُهجرين قسرياً إلى ديارهم في
كَفر درويش، سيُسدَل الستار على واحدة من مآسي الأقباط التي باتت تفوق الحَصر،
والتي يؤدي دور البطولة فيها دوماً الهَمج والرِعاع، بينما تكتفي الدولة ومسئوليها
بالجلوس على مقاعد المُتفرجين!
لكننا لا نعرف على وجه التحديد، هل سيُحاسب أولئك المجرمين -ومن
حرضهم-على ما اقترفوه بحق الأقباط وممتلكاتهم؟!
هل ستقتص الدولة منهم جراء الحرق والنهب والتخريب والترويع
والشروع في قتل الأبرياء؟!
هل ستتحرك الأجهزة الأمنية لضبط الجُناه؟!
هل سيثأر قضاء مصر الشامخ للضحايا؟!
هل سيأخذ العدل مجراه الطبيعي كما يحدث في كل البلدان
المُتحضرة؟!
مؤكد أن ذلك سيحدث، فإن لم يحدث فتلك مُصيبة، لأن ذلك يعني
ببساطة أن الدولة وأجهزتها الأمنية وقضائها الشامخ يقفون في خندقٍ واحد إلى جانب
الهَمج والمُتطرفين!
ومهازل الجلسات العرفية التي تُفرض على الأقباط برعاية آمنية
كفيلة وحدها بالكشف عن الدور الذي تلعبه بعض أجهزة الدولة حيال الأقباط، وانحيازها
لشريعة الغاب على حساب دولة القانون!، وهو ما يُلقي بظلالٍ من الشك حول فكرة
المواطنة التي احتلت مكان الصَدارة في البرنامج الانتخابي للرئيس عبد الفتاح
السيسي.
فالسؤال المحوري الذي يتجدد مع كل اعتداء يَطال الأقباط أو يمس
بمقدساتهم، هل الرئيس غير قادر على حماية مواطنيه وردع من تسول له نفسه المساس
بهيبة الدولة وسيادة القانون؟
أم أن المسألة برُمتها لا تتعلق بالقدرة إنما بوجود إرادة
حقيقية في بَسط سُلطة الدولة ومُحاسبة الخارجين عليها؟
السؤال باختصار، هل الرئيس غير قادر أم غير راغب، لأن الواقع
يشهد على تنامي العُنف ضد الأقباط تحت سمع وبصر الدولة ومسئوليها، وتكرار دهس
القانون كلما تعلق الأمر بحق من حقوق الأقباط!
في سمالوط بمحافظة المنيا قبل نحو شهرين، تجمهر المئات من
مُسلمي قرية العور ومُحيطها في تحدٍ واضح لقرار رئيس الجمهورية ببناء كنيسة تحمل
أسم شُهداء الوطن بليبيا، وانعقدت جلسة عُرفية قضت بتغيير المكان المُخصص لبناء
الكنيسة!
التاريخ يُعيد نفسه، والأحداث تتشابه، لكن السياسات تختلف
باختلاف الأشخاص، والمواقف تتغير تبعاً لقدرة كل شخص على الحَسم من عدمها..
في زمن الخليفة المُعز لدين الله الفاطمي، استأذن البطريرك
الأنبا أبرام بن زَرعة [٩٧٤-٩٧٨م] في إعادة بناء كنيسة أبي سيفين بمصر القديمة،
وكان الغوغاء قد هدّموها وحولوها إلى شونة لتخزين القصب، فكتب له الخليفة أمراً
ببناء الكنيسة، لكن حدث أن تجمهر الغوغاء مرة أخرى ومنعوه من بنائها، فرجع إلى
المُعز وأخبره بالأمر، فغضب لذلك وتحرك في جمع من عساكره إلى المكان وأمر بحفر
الأساس، فحُفر بسرعة وجُمع له عدد كبير من البنائين وحُملت إليه الحجارة ووقف
بنفسه يُشرِف على البناء، فلم يجسُر أحد على أن ينطق بكلمة إلا شيخ واحد كان يؤم
أولئك الغوغاء في الصلاة وكان يُحرضهم!، فألقى بنفسه في الأساس وقال لن أسمح لأحد
أن يبني هذه الكنيسة إلا على جُثتي، فأمر الخليفة بدفنه في الأساسات، فلما أُلقي فوقه
بالجير والحجارة حاول أن ينجو بنفسه لكن الجند لم يمكنوه، فما كان من الأب
البطريرك إلا أن نزل عن دابته وانطرح بين يدي الخليفة يسأله أن يصفح عن ذلك الشيخ
المُحرض، وإكراماً للبابا أمر الخليفة بإخراجه، ولم يجسُر أحد على النطق بحرفٍ
واحد إلى أن اكتمل بناء الكنيسة.
موقفاً سجله التاريخ للخليفة المُعز، وهو موقف نادر الحدوث، لأن
من حكموا قبله ومن حكموا بعده لم يكونوا جميعاً في نفس شجاعته وقدرته على التصدي
للغوغاء، ولا في مثل حرصه على حفظ هيبة الدولة وحماسه للعَدل بين مواطنيه.
وللحديث بقية..