بقلم/ شريف رمزي
فلو أن الدافع لتلك الجرائم مرتبط بفتنة طائفية، أو ازدراء أديان، أو بالموقف من بناء كنيسة هنا أو هناك، لقلنا أن الأسباب دينية.. لكن اختيار الجُناه لضحاياهم يرتبط بأسباب أخرى، غالبيتنا -إن لم يكن جميعنا- يعلمها.
وسؤالي
هنا.. لو أن رئيس الدولة فى حاجة لـ "استغاثة"..
و"مُناشدة".. و"رجاء"، من المظلومين في شعبه، فما هو لزوم
أجهزة الدولة من أمن ومخابرات ونيابة وقضاء؟!.. وما هو لزوم القوانين والتشريعات؟!.. وما لزوم الرئيس نفسه؟!
أذهلني كما أذهل الكثيرين أن يضطر أهالي مدينة نجع حمادي
من الأقباط إلى مخاطبة مؤسسات الدولة من خلال وسائل الإعلام، عسى أن يتعاطف أى
مسئول مع معاناتهم فيتدخل لوقف عمليات الخطف التي أصبحت "ظاهرة" في ظل
غياب تام للدولة وأجهزتها الأمنية!.
فى غضون ثلاث سنوات مضت تجاوزت حالات الخطف بين الأقباط
فى نجع حمادي وقُراها السبعين حالة، بعضها فى وضح النهار، فضلاً عن عشر محاولات أفلت
خلالها الضحايا من أيدي الجُناه، وعشر حالات تهديد بالخطف، ولقي ثلاثة من الأقباط
حتفهم على أيدي خاطفيهم!.
لا أحد هنا يدعي أن عمليات الخطف والقتل تُجرى
"لأسباب دينية"، ولكن المؤكد أيضاً أن الخطف والقتل هنا يستهدف الأقباط
على وجه الخصوص، خطف وقتل "على الهوية"، والفارق بينهما كبير.
فلو أن الدافع لتلك الجرائم مرتبط بفتنة طائفية، أو ازدراء أديان، أو بالموقف من بناء كنيسة هنا أو هناك، لقلنا أن الأسباب دينية.. لكن اختيار الجُناه لضحاياهم يرتبط بأسباب أخرى، غالبيتنا -إن لم يكن جميعنا- يعلمها.
فالأقباط فى نظر الكثيرين "حيطة مايلة"، أينما
وجدوا لا يُكوّنون لأنفسهم "عِزوة" ولا "قبيلة"، ولا يؤمنون
بمنطق العصبيات..
وأقباط نجع حمادي على وجه التحديد، مُحاطين بقبائل من
العرب والهوارة وعائلات كبيرة لها أسماء تُدوي "مثل الطَبل"، وهم أقلية
وسط أغلبية تملك السلاح.
وفى بيئة لها هذا الطابع، يتراجع دور الأجهزة الأمنية،
وتختلف موازين العدالة باختلاف موازين القوى، ويحمي كل طرف نفسه بسطوته ونفوذه
وسلاحه وعِزوته، والأقباط لا حول لهم ولا قوة تحميهم، فهم يلتمسون العون والحماية
من العلي القدير الذي وحده يُمهل ولا يُهمل.
وإذ تجد عصابات الخطف والسطو المُسلح نفسها بلا رادعٍ،
تنشط أعمالها وتزدهر، ويتشجع حتى الهواة وغير المحترفين أو المُسجلين جنائياً
لممارسة تلك "السبوبة" المُريحة والمُربحة فى آنٍ واحد!، فبحسب إحصاءات
كنسية تُقدر المبالغ التى استولى عليها الجُناه فى صورة "فِدية" مُقابل
إطلاق سراح المخطوفين بسبعة ملايين جنيه!.
وهكذا يُعاني أقباط نجع حمادي الآمرين بسبب تنامي تلك
الظاهرة، فالضحية إما أن يشترى نفسه بالمال فيخسر تجارته ومعيشته وقد يَستدين
وتستحيل حياته إلى جحيم، أو يخسر حياته دفعة واحدة على يد خاطفيه لتظهر جثته بعدها
بأيام طافية على وجه مياه أحد المصارف، ومن لم يصبه الدور أو يُخطف أحد ذويه يقبع
أسيراً للخوف لعل دوره قادم.
وفي خضم تلك الأحداث، يتساءل البعض عن دور الدولة
ومؤسساتها!، ويضطر أهالي النجع لرفع أصواتهم في وسائل الإعلام.. يستغيثون
بالحكومة، ويُناشدون الرئيس!